واشنطن في مستنقع الفوضى… انقلاب ترامب على الهيبة الأميركية
فوضى في واشنطن إطلاق رصاص في الكونغرس وإجلاء برلمانيين وحظر تجول
هيبة الديموقراطية الأميركية سقطت أمام العالم والرئيس الأميركي الرابع والأربعين دونالد ترامب كتب نهاية مذلّة لعهده مع مشاهد الفوضى والعنف التي سادت الشوارع الأميركية. فرض حال الطوارئ وحظر التجوّل في عاصمة السياسة الأميركية، ومركز القرار فيها. واشنطن تفرض حظر التجول وتُعلن التعبئة العامة بعد اقتحام الكونغرس من قبل مناصري ترامب. ومن على منصة مراسم تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب الجديد الحدث الذي ينتظره العالم ليبني على أساسه اتجاهات السياسة والاقتصاد والمال أعلن مناصرو ترامب بداية النهاية لصورة القوة العظمى المتآكلة على وقع الانقسام والفوضى بعدما بلغ انقلاب الرئيس المنتهية ولايته مرحلة فوضى الشارع التي زعزعت مبنى الكابيتول التاريخي.
ترامب المتمسك بمنصبه والذي يصر على إنكار نتائج الانتخابات، ويصر على حصول تزوير فيها، مصر على إحراق صورة “الدولة العظمى”. جرحى وقتلى والحرس الوطني في الشارع وقنابل غاز لمنع متظاهرين من دخول الكونغرس والشرطة تطلب إخلاء اثنين من مباني مجمع الكونغرس بعد اقتحامات قام بها أنصار ترامب بداية انهيار حقبة “العنفوان”. أنصار ترامب يحتلون المدخل الرئيسي للكونغرس ويشتبكون مع شرطة مبنى الكونغرس وأوامر لموظفي الكونغرس والصحافيين بالاحتماء في أماكنهم وإغلاق مجلسي الشيوخ والنواب وتهريب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، مجموعة أخبار عاجلة راقبها العالم ليس لإحدى دول العالم الثالث بل من الولايات المتحدة الأميركية!. وسجّل اليوم العنيف نجاحًا للرئيس المتمرد بإفشال التصديق على نتائج الانتخابات الأميركية وطارت الجلسة بالاحتجاج العنيف بعدما فشلت كل محاولات التشكيك بنتائج الهيئة الانتخابية والمجمع الانتخابي.
كان الجميع يترقب أيامًا استثنائية قبيل اليوم الموعود لتنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، لكنّ المشاهد التي راقبها العالم الواردة من واشنطن خالفت كل التوقعات. مسلحون يقتحمون مبنى الكونغرس الأميركي، رمز أميركا الدستوري وصورة هيبته في وجدان الأميركيين تحوّل في حمى غضب التيار “الترامبي” الذي صار له تصنيف في أميركا بعد الحزبين الجمهوري والديموقراطي، إلى ساحة للعنف والفوضى لم يحلم بها أشد أعداء الولايات المتحدة الأميركية.
وعلقت الجلسة المشتركة إثر احتدام الاشتباكات بين قوات الأمن وأنصار ترامب الذين احتشدوا منذ ساعات رفضًا لنتائج الانتخابات الرئاسية. وأظهرت صور حشود من المتظاهرين يتخطون الحواجز الأمنية خارج المبنى قبل اقتحامه. وشوهد عدد من أنصار ترامب أمام قاعة مجلس الشيوخ بينما شوهد محتجون آخرون وهم يحملون السلاح.
وفي تلميح خطير، كتب مراسل واشنطن بوست آرون دايفيس على “تويتر” أن وزارة الدفاع ترفض طلب مسؤولي العاصمة نشر الحرس الوطني في مبنى الكونغرس. وكانت تقارير لمجلس الأمن القومي قد حذرت من حصول هذا الأمر في وقت سابق، من تسلل التمرد الذي يمثله ترامب إلى المؤسسات الأميركية. وكانت حملة الرئيس المنتخب جو بايدن قد أثارت مشكلة رفض بعض المؤسسات الأمنية التعاون مع فريق الرئيس للفترة الانتقالية وبالتمنّع عن تزويده بالتقارير الأمنية المتّصلة بالأمن القومي.
المشاهد الصادمة للأميركيين والعالم، باغتت القوى الأمنية الأميركية على ما يبدو وهذا السيناريو العنيف لم يكن يتوقعه أحد. وقد أظهرت صور “الترامبيين” The Trumpist، كما يصفهم الإعلام الأميركي، داخل أروقة الكابيتول وتخريب مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، لحظات “مؤلمة” و”مخيبة” و”مخجلة” لا تدعو للفخر، بحسب ما كتب عدد من الشخصيات الأميركية من “الديموقراطيين” و”الجمهوريين” الذين اعتبروها “عارًا مخجلًا للديموقراطية الأميركية وللمؤسسات الدستورية”. واعتبر معلقون أميركيون أن “ترامب يقود انقلابًا غير مسبوقًا”. وأنَّ “ازدراء ترامب للديموقراطيّة قد كُشِف”، ووصفه البعض بأنه الرئيس “الفاسد والكاذب”.
الرئيس المنتخب جو بايدن، “المصدوم” من مشاهد استباحة الديموقراطية في الكونغرس، دعا ترامب من مكان إقامته في ولاية “ديلاوير، إلى “الارتقاء إلى مستوى المسؤولية” ودعوة المتظاهرين إلى وقف أعمال العنف. واعتبر بايدن أن ما يجري في الكونغرس فوضى سينتهي إلى تمرد”. وعلّق على أعمال العنف في واشنطن، قائلًا “في هذه الساعة، تتعرض ديمقراطيتنا لهجوم غير مسبوق وهناك اعتداء على الحرية”.
وبعد دقائق نشر ترامب فيديو لكلمة مقتضبة قال فيها “أشعر بألمكم ولكن عليكم المغادرة إلى منازلكم” وكرّر أن “الانتخابات مزورة وقد سُرقت، وكانت انتخابات مغشوشة ولكن علينا أن نحقّق السلام، أعرف كيف هو شعوركم ولكن يجب أن يحل النظام ونحترم قوات إنفاذ القانون”.
ترامب الذي دعا إلى التزام “السلمية”، كان صعّد بشكل لافت في خطاب من شأنه تصعيد التوتر على الجبهة الديموقراطية الجمهورية في الولايات المتحدة، في كلمة أمام أنصاره المحتشدين دعمًا له في العاصمة واشنطن، الأربعاء، معلنًا أنه لن يتنازل ولن يعترف بالهزيمة. وقال ترامب “لن نستسلم أبدًا، ولن نتنازل، ولن نعترف بالهزيمة” في الانتخابات التي فاز بها المرشح الديموقراطي جو بايدن، داعيًا أنصاره إلى الزحف نحو مبنى الكونغرس حيث يتم احتساب نتائج أصوات المجمع الانتخابي لكل ولاية والتي تحدّد الفائز. هذا الزحف سرعان ما تحوّل إلى عنف وحالة من الفوضى وإطلاق نار داخل أروقة مبنى الكابيتول.
ونشرت محطة “سي أن أن” معلومات عن مواجهة مسلحة أمام قاعة مجلس النواب، في وقت رافقت شرطة الكونغرس أعضاء مجلس النواب خارج القاعة، فيما أعلن عمدة واشنطن حظرًا للتجول بدءًا من الساعة السادسة مساء.
الحنق والغضب، لم يفارقا ترامب طيلة ولايته وبلغت بعد الانتخابات الرئاسية أوجها. وبرأيه أن “حصول بايدن على أكثر من 80 مليون صوت مزحة”، داعيًا نائبه مايك بنس إلى منع التصديق على نتائج الانتخابات وإعادة الأصوات إلى الولايات للتصديق عليها، وعدم الاستماع “للحمقى والأغبياء”. وفيما ردّ بنس بأنه “لا يمكن تغيير نتائج الانتخابات” اعتبر ترامب أن موقف بنس “عمل جبان”. وفيما فقد ترامب تأييد نائبه لجأ إلى الحشود الشعبية كملاذ أخير لعرقلة تصديق الكونغرس على نتائج الانتخابات.
لم يوفّر ترامب أحدًا وبخاصة الإعلام الذي هاجمه في كل محطة، وخلال كلمته أمام أنصاره الأربعاء جدّد قوله “لدينا إعلام يقمع حرية التعبير ويعادي الشعب”، مضيفًا أن الانتخابات “سُرقت من اليسار الاشتراكي والإعلام الزائف”.
ويبدو أنّ حجم الاعتراض الجمهوري على تثبيت لكونغرس فوز الرئيس المنتخب جو بايدن توسّع في كلا المجلسين. فهنالك ما لا يقل عن 12 سيناتورًا جمهوريًا و140 نائبًا يعارضون المصادقة على نتيجة اقتراع الناخبين الكبار في 14 كانون الأول الماضي. وذكر موقع “أكسيوس” أنّ هؤلاء المعترضين يدركون أنّ اعتراضهم لن يغيّر النتيجة. يريد هؤلاء من جمهوريين آخرين، بمن فيهم رئيس الغالبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل تحمّل الضغط، كما يرغبون بتأجيج القاعدة الشعبية.
الفوضى والمشهد “المشين” بعين الأميركيين ومثير “للشماتة” لدول عانت من التدخلات الأميركية، كان توقعها وزراء الدفاع الأميركيين العشرة الأحياء الذين حذروا من أي تدخل للجيش، وذلك في رسالة مشتركة نُشرت في صحيفة “واشنطن بوست”، الأحد الفائت، بينما يواصل الرئيس دونالد ترامب إنكار خسارته أمام جو بايدن. والرسالة، التي وقعها ديك تشيني وجيمس ماتيس ومارك إسبر وليون بانيتا ودونالد رامسفيلد وويليام كوهين وتشاك هاجل وروبرت جيتس وويليام بيري وأشتون كارتر، كانت موجهة ضد محاولات ترامب التخريبية الذي يبدو أنها ستنجح في زعزعة بنيان “العظمة” الأميركية والمشهد مفتوح على احتمالات شتّى ترمز إلى أن “التغيير الأميركي” قد بدأ.
رانيا برو